ـ( الاسْتِقْصَا بِبِيَانِ صِحَّةِ حَدِيثِ : مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى )ـ
ـــــ ،،، ـــــ
الْحَمْدُ للهِ نَاصِرِ الْحَقِّ وَرَافِعِى لِوَائِهِ . وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى أَتْقَى خَلْقِهِ وَأَوْلِيَائِهِ .
وَبَعْدُ .. فهَذَا جَوَابٌ مُقْتَضَبٌ عَنْ سُؤَالٍ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ :
« مَنْ أَهَلَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » .
فَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ فِي « السِّلْسِلَةِ الضَّعِيفَةِ » .
نَقُولُ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ : الْحَدِيثُ صَحِيحٌ بِلا شَكٍّ ، وَلا تَرَدُّدٍ .
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدَ (6/299) : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ مَوْلَى آلِ حُنَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيِّ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ حَكِيمٍ ابْنَةِ أُمَيَّةَ بْنِ الأَخْنَسِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « مَنْ أَهَلَّ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى بِعُمْرَةٍ أَوْ بِحَجَّةٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » . قَالَ : فَرَكِبَتْ أُمُّ حَكِيمٍ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، حَتَّى أَهَلَّتْ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ .
وَأَخْرَجَهُ كَذَلِكَ أَبُو يَعْلَى (12/411/7009) ، وَابْنُ حِبَّانَ كَمَا فِى « الإِحْسَانِ »(3693) جَمِيعَاً مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ .
قُلْتُ : هَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ مُوَثَّقُونَ ، غَيْرُ أُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ أُمَيَّةَ بْنِ الأَخْنَسِ ، وَاسْمُهَا حُكَيْمَةُ بِالتَّصْغِيْرِ ، لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ بِجَرْحٍ ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهَا إِلاَّ ابْنُهَا يَحْيَى بْنُ أَبِى سُفْيَانَ الأَخْنَسِيُّ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ إِنْ كَانَ مَحْفُوظَاً .
وقد ذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِى « الثِّقَاتِ »(4/195/2459) ، وَاحْتَجَّ بِهَا فِي صَحِيحِهِ .
وَقَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ « الْكَاشِفُ »(2/506/6979) : « حُكَيْمَةُ بِنْتُ أُمَيَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ . وَعَنْهَا يَحْيَى بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَسُلَيْمَانَ . وَثِّقَتْ » .
وَقَالَ فِى « مِيزَانِ الاعْتِدَالِ »(7/465) : « فَصْلٌ فِى النِّسْوِةِ الْمَجْهُولاتِ . وَمَا عَلِمْتُ فِى النِّسَاءِ مَنْ اتُّهِمَتْ وَلا مَنْ تَرَكُوهَا » ، وَذَكَرَهَا فِى جُمْلَتِهِنَّ (7/481/11061) .
قُلْتُ : وَقَدْ جَوَّدَ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثَ : إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَدَنيُّى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، وَصَرَّحَ ابْنُ إِسْحَاقَ بِالسَّمَاعِ ، فَزَالَتْ تُهْمَةُ تَدْلِيسِهِ ، وَأَتْقَنَ مَتْنَهُ .
وَتَابَعَهُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ : سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ ، وَعَبْدُ الأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحَيَى الْقُطَعِيِّ ، وَعَيَّاشِ بْنِ الْوَلِيدِ كِلاهُمَا عَنْهُ .
فَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ (2/284/212) مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ حَكِيمٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ « بَيْتِ الْمَقْدِسِ » .
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ « شُعَبُ الإِيْمَانِ »(3/448/4026) مِنْ طَرِيقِ عيَّاشِ بْنِ الْوَلِيدِ الرَّقَّامِ نَا عَبْدُ الأَعْلَى نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّ حَكِيمِ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أَوْ حَجَّةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غَفَرَ اللهُ لَهُ » .
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ « الْكَبِيْرُ »(23/416/1006) ، وَالْمَقْدِسِيُّ « فَضَائِلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ »(58) ، وَالْمِزِّيُّ « تَهْذِيبُ الْكَمَالِ »(31/360) جَمِيعَاً مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحَيَى الْقُطَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بِمِثْلِهِ .
وَخَالَفَ جَمَاعَتَهُمْ : ابْنُ أَبِى شَيْبَةَ فَأَسْقَطَ مِنْ إِسْنَادِهِ « يَحْيَى بْنَ أَبِي سُفْيَانَ » ، وَأَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ فَأَسْقَطَ مِنْهُ « سُلَيْمَانَ بْنَ سُحَيْمٍ » .
فَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ (3001 ) ، وَأَبُو يَعْلَى (12/327/6900) كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ أَبِى شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِهِ .
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ (3002 ) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ حَكِيمٍ بِهِ بِلَفْظِ « مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ لَهُ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ » ، وَزَادَ : قَالَتْ : فَخَرَجْتُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ .
قُلْتُ : وَلَمْ يَتَفَرَّدَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، بَلْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ الْحِجَازِيُّ ، وَهُوَ مِمَّنْ احْتَجَّ بِهِمْ مُسْلِمٌ فِى « صَحِيحِهِ » ؛ رَوَى لَهُ حَدِيثَاً فِى فَضْلِ الْمَدِينَةِ « مَنْ أَرَادَ أَهْلَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللهُ » .
فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ « التَّارِيْخُ الْكَبِيْرُ »(1/161) ، وَأَبُو دَاوُدَ (1741) ، وَالْفَاكِهِيُّ « أَخْبَارُ مَكَّةَ »(1/411/885) ، وَأَبُو يَعْلَى (12/359/6923) ، وَالطَّبَرَانِيُّ « الأَوْسَطُ » (6/319/6515) ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ «2/283/210) ، وَالْبَيْهَقِيُّ « الْكُبْرَى »(5/30) و « شُعَبُ الإِيْمَانِ »(3/448/4027) ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ « التَّمْهِيدُ »(15/146) ، وَأَبُو نَصْرٍ ابْنُ مَاكُولا « تَهْذِيبُ مُسْتَمِرِ الأَوْهَامِ »(1/173) ، وَالْمَقْدِسِيُّ « فَضَائِلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ »(59) مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَا تَأَخَّرَ ، أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ » ، شَكَّ عَبْدُ اللهِ أَيْتَهُمَا قَالَ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : يَرْحَمِ اللهُ وَكِيعَاً أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَعْنِي إِلَى مَكَّةَ .
قُلْتُ : رَوَاهُ هَكَذَا عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَثْبَاتِ أَصْحَابِهِ : أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الطَّبَرِيُّ ، وَأَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ ، وَأَبُو عُتْبَةَ أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَعْدَوَيْهِ ، وَأَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ ، وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْخُتَلِىُّ ، وَعَلِىُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَمَّالُ .
وَخَالَفَ جَمَاعَتَهُمْ أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ ، فَقَالَ « عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيِّ » ، وَهُوَ وَهْمٌ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ « التَّارِيْخُ الْكَبِيْرُ »(1/161/477) : « مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ بِنْتِ أُمَيَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ سَمِعَتْ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : « مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ مَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » ، حَدَّثَنَاهُ أَبُو يَعْلَى مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ » .
قُلْتُ : ولَمْ يَتَفَرَّدْ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ يُحَنَّسَ ، بَلْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْهُ .
فَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ « الْكَبِيْرُ »(23/361/849) ، وَمِنْ طَرِيقِهِ ابْنُ عَبْدِ الْغَنِي « تَكْمِلَةُ الإِكْمَالِ »(1/171) عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ ، كِلاهُمَا عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ - كَذَا تَحَرَّفَ اسْمُ جَدِّهِ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَنْ أَهَلَّ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » .
وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ الْمِزِّيُّ « تَهْذِيبُ الْكَمَالِ »(31/360) مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ ابْنِ رِيذَةَ الأَصْبَهَانِيِّ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ ، فَقَالَ « عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يُحَنَّسَ » ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَرِوَايَةِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ .
قُلْتُ : وَالْخُلاصَةُ ، فَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ صَحِيحٌ ، وَأَمْثَلُ أَسَانِيدِهِ « ابْنُ إِسْحَاقَ ثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى سُفْيَانَ عَنْ أُمِّهِ حُكَيْمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ » ، كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو يَعْلَى ، وَابْنُ حِبَّانَ ، وَصَحَّحَهُ .
وَأَمَّا الشَّيْخُ الأَلْبَانِيّ طَيَّبَ اللهُ ثَرَاهُ ، فَقَالَ فِى « الضَّعِيفَةِ »(1/248/211) : « وَعِلَّتُهُ عِنْدِيَ حُكَيْمَةُ هَذِهِ ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِالْمَشْهُورَةِ ، وَلَمْ يُوَثِّقْهَا غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ ، وَقَدْ نَبَّهْنَا مِرَارَاً عَلَى مَا فِى تَوْثِيقِهِ مِنَ التَّسَاهُلِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَمِدْهُ الْحَافِظُ ، فَلَمْ يُوَثِّقْهَا ، وَإِنَّمَا قَالَ فِى « التَّقْرِيبِ » : « مَقْبُولَةٌ » يَعْنِي عِنْدَ الْمُتَابَعَةِ ، وَلَيْسَ لَهَا مُتَابِعٌ هَاهُنَا ، فَحَدِيثُهَا ضَعِيفٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ ، وَهَذَا وَجْهُ الضَّعْفِ عِنْدِي » اهـ .
فَقَدْ بَانَ أَنَّ الشَّيْخَ الأَلْبَانِيَّ رَحِمَهُ اللهُ احْتَجَّ لِتَضْعِيفِ حَدِيثِ حُكَيْمَةَ بِثَلاثَةِ أَدِلَّةٍ :
( أَوَّلُهَا ) أَنَّهَا لَيْسَتْ مَشْهُورَةً .
( الثَّانِي ) أنَّهُ لَمْ يُوَثِّقْهَا غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ .
( الثَّالِثُ ) قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ عَنْهَا « مَقْبُولَةٌ » ، وَأَنَّهَا لَمْ تُتَابَعْ .
فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الأَدِلَّةُ صَالِحَةً لِلْحُكْمِ عَلَى حَدِيثٍ مَا بِالضَّعْفِ ، فَلِمَاذَا عَكَسَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ الأَمْرَ فِي « صَحِيحَتِهِ » ، فَجَعَلَهَا بِذَاتِهَا أَدِلَّةً لِتَصْحِيحِ عَدَدٍ لا يُحْصَى مِنَ الأَحَادِيثِ ؟! .
فَمِنْ أَبْيَنِ الأَمْثِلَةِ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ :
أنَّهُ فِي ثَنَايَا تَقْرِيرِهِ بُطْلانَ حَدِيثِ « نِعْمَ الْمُذَكِّرُ السُّبْحَةُ » فِى « سِلْسِلَتِهِ الضَّعِيفَةِ »(1/112) ، ذَكَرَ مَا نَصُّهُ : « أنَّهُ مُخَالِفٌ لأَمْرِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ لِبَعْضِ النِّسْوِةِ « عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ ، وَلا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ التَّوحِيدَ ، وَاعْقِدْنَ بِالأَنَامِلِ ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ » . وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالذَّهَبِيُّ وَحَسَّنَهَ النَّوَوِيُّ وَالْعَسْقَلانِيُّ » اهـ .
قُلْتُ : يَعْنِي مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي ( كِتَابِ الصَّلاةِ / بَابُ التَّسْبِيحِ بِالْحَصَى /ح) قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ هَانِئِ بْنِ عُثْمَانَ الْجُهَنِيِّ عَنْ حُمَيْضَةَ بِنْتِ يَاسِرٍ عَنْ يُسَيْرَةَ أَخْبَرَتْهَا : « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُنَّ أَنْ يُرَاعِينَ بِالتَّكْبِيرِ ، وَالتَّقْدِيسِ ، وَالتَّهْلِيلِ ، وَأَنْ يَعْقِدْنَ بِالأَنَامِلِ ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ » .
فَالأَلْبَانِيُّ هَاهُنَا يَعْتَمِدُ تَصْحِيحَ الْحَاكِمُ وَالذَّهَبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَالْعَسْقَلانِيُّ :
[1] وَحُمَيْضَةُ بِنْتُ يَاسِرٍ مَجْهُولَةٌ ، لَمْ يَرْوِ عَنْهَا غَيْرُ ابْنِهَا هَانِئِ بْنِ عُثْمَانَ الْجُهَنِىِّ .
[2] وَحَدِيثُهَا فَرْدٌ غَرِيبٌ لَمْ يُتَابِعْهَا عَلَيْهِ أَحَدٌ .
[3] وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ « تَقْرِيبُ التَّهْذِيبِ »(1/746/8570) عَنْهَا : « مَقْبُولَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ » .
[4] وَهَانِئُ بْنُ عُثْمَانَ الْجُهَنِيُّ هَذَا لَمْ يُوَثِّقُهُ غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ .
فَلِمَاذَا وَافَقَهُمُ الأَلْبَانِيُّ هَاهُنَا ، وَخَالَفَ مَذْهَبَهُ فِى تَضْعِيفِ حَدِيثِ الْمَجْهُولاتِ وَالْمَقْبُولاتِ ، وَعَدَمِ الاعْتِبَارِ بِتَوْثِيقِ ابْنِ حِبَّانَ إذَا تَفَرَّدَ ؟! . وَلِمَاذَا لَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ عَنْ حُكَيْمَةَ آنِفَاً : « وَعِلَّتُهُ عِنْدِيَ حُمَيْضَةُ بِنْتُ يَاسِرٍ ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِالْمَشْهُورَةِ ، وَلَمْ يُوَثِّقْهَا غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ ، وَقَدْ نَبَّهْنَا مِرَارَاً عَلَى مَا فِى تَوْثِيقِهِ مِنَ التَّسَاهُلِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَعْتَمِدْهُ الْحَافِظُ ، فَلَمْ يُوَثِّقْهَا ، وَقَالَ فِى « التَّقْرِيبِ » : « مَقْبُولَةٌ » يَعْنِي عِنْدَ الْمُتَابَعَةِ ، وَلَيْسَ لَهَا مُتَابِعٌ هَاهُنَا ، فَحَدِيثُهَا ضَعِيفٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ عِنْدِي » ! .
وَهَذَا الْقُوْلِ لَيْسَ لَنَا ، وَلا مِنْ مَذْهَبِنَا فِي جَرْحِ الْمَقْبُولاتِ ، وَتَوْهِينَ أَخْبَارِهِنَّ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ إِلْزَامِ الشَّيْخِ بِلازَمِ قَوْلِهِ ، لِئَلا تَتَضَارَبَ أَحْكَامُهُ عَلَى الأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ، وَإِلاَّ فَقَبُولُ رِوَايَةِ كُلٍّ مِنَ حُمَيْضَةَ وَحُكَيْمَةَ ، وَاعْتِمَادِ تَوْثِيقِهِمَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ ، فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ بِحَالٍ تُوجُبُ الْفَرْقَ فِي الْحُكْمِ .
وَمِنَ الإِفَادَةِ التَّوَسُّعُ فِي تَخْرِيْجِ حَدِيثِ حُمَيْضَةَ بِنْتِ يَاسِرٍ :
فَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ « الطَّبَقَاتُ الْكُبْرَى »(8/310) ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ (2/160/7656 و6/53/29414 و7/168/35038) ، وَأَحْمَدُ (6/370) ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ (1/199:198) ، وَالدُّورِيُّ « تَارِيْخُ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ »(3/51/206) ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ « الْمُنْتَخَبُ »(1570) ، وَأَبُو دَاوُدَ (1501) ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ « الآحَادُ وَالْمَثَانِي »(6/73/3285) ، وَابْنُ حِبَّانَ ، وَأَبُو طَالِبٍ ابْنُ غَبْلانَ « الْغَيْلانِيَّاتُ » ، وَالطَّبَرَانِيُّ « الْكَبِيْرُ »(25/74/180) و« الأَوْسَطُ »(5/182/5016) و« الدُّعَاءُ »(1663) ، وَأَبُو نُعَيْمٍ « الْحِلْيَةُ »(2/68) ، وَالْحَاكِمُ (1/547) ، والبيهقِيُّ « الدَّعَوَاتُ الْكَبِيْرُ » (266) ، وَالرَّافِعِيُّ « التَّدْوِينُ فِى أَخْبَارِ قَزْوِينَ »(3/52) ، وَالْمِزِّيُّ « تَهْذِيبُ الْكَمَالِ »(30/141) مِنْ طُرُقٍ عَنْ هَانِئِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُمِّهِ حُمَيْضَةَ بِنْتِ يَاسِرٍ عَنْ جَدَّتِهَا يُسَيْرَةَ ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ قَالَتْ : قَالَ لَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « يا نِسَاءَ المُؤمِنَاتِ عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ ، وَلا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ ، وَاعْقِدْنَ بِالأَنَامِلِ ، فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ » .
قُلْتُ : وَفِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ حُمَيْضَةُ بِنْتُ يَاسِرٍ ، إِحْدَى الْمَجْهُولاتِ اللاَّتِي لَمْ يَرْوِ عَنْهُنَّ إِلاَّ رَاوٍ وَاحِدٌ ، مِمَّنْ تَفَرَّدَ ابْنُ حِبَّانَ بِتَوْثِيقِهَّنَ . وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ « تَقْرِيبُ التَّهْذِيبِ »(1/746/8570) عَنْهَا : « مَقْبُولَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ » .
فَسَبِيلُهَا فِى قَبُولِ حَدِيثِهَا كَسَبِيلِ حُكَيْمَةَ بِنْتِ أُمَيَّةَ بْنِ الأَخْنَسِ لا يَفْتَرِقَانِ فِى شَيْئٍ الْبَتَّةَ ، كِلْتَاهُمَا تَابِعِيَّةٌ مَجْهُولَةٌ لَمْ يُوَثَّقْهَا غَيْرُ ابْنِ حِبَّانَ ، وَقَالَ عَنْهُمَا ابْنُ حَجَرٍ : « مَقْبُولَةٌ » ، فَكَيْفَ فَرَّقَ الأَلْبَانِيُّ بَيْنَهُمَا ، فَحَسَّنَ حَدِيثَ حُمَيْضَةَ ، وَضَعَّفَ حَدِيثَ حُكَيْمَةَ ؟! .
عَلَى أَنَّ ثَمَّةَ أَمْرٍ آخَرَ زَائِدٍ فِى حَدِيثِ حُمَيْضَةَ ، الَّذِي رضيه الأَلْبَانِيَّ وَحَسَّنَهُ : أَنَّ فِى إِسْنَادِهِ هَانِئَ بْنَ عُثْمَانَ الْجُهَنِيَّ ، وَلَمْ يُوَثِّقْهُ إِلاَّ الإِمَامُ الْجِهْبِذُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِى « التَّقْرِيبِ » عَنْهُ : « مَقْبُولٌ » . فَلِمَاذَا اعْتَمَدُهُ الأَلْبَانِيُّ ، وَتَنَاسَى مَا يُكْثُرُ أَنَّ يُعَلِّلَ بِهِ تَضْعِيفَ الْمَجَاهِيلِ بِقَوْلِهِ : « ابْنُ حِبَّانَ مُتَسَاهِلٌ فِى التَّوْثِيقِ » ! .
وَعِنْدِيَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ : حَدِيثِ حُكَيْمَةَ وَحَدِيثِ حُمَيْضَةَ وَاحِدٌ ، كِلاهُمَا صَحِيحٌ ، وَلا يَضُرُّهُمَا تَفَرَّدُ ابْنِ حِبَّانَ بِتَوْثِيقِهِمَا .
وَلْنَذْكُرْ مِثَالاً آخَرَ شَبِيهً بِسَابِقِهِ ، أَوْ قَرِيباً مِنْهُ :
ذَكَرَ الشَّيْخُ الألبانِيُّ فِى « السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ »(ح307) حَدِيثَ : « تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى إِحْدَى خِصَالٍ ثَلاثَةٍ : تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى مَالِهَا ، وَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى جَمَالِهَا ، وَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى دِينِهَا ، فَخُذْ ذَاتَ الدِّينِ وَالْخُلُقِ ، تَرِبَتْ يَمِينُكَ » .
فَقَالَ : « أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ (1231) ، وَالْحَاكِمُ (2/161) ، وَأَحْمَدُ (3/80) مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمِّتِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَذَكَرَهُ .
وَقَالَ الْحَاكِمُ : « صَحِيحُ الإِسْنَادِ » ، وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ .
فَرَضِيَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ذَلِكَ مِنْهُمَا ، وَأَقَرَّهُ ، وَقَوَّاهُ ، وَنَصَرَهُ ، وَصَحَّحَهُ بِقَوْلِهِ : « رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعْرُوفُونَ غَيْرُ عَمِّةِ سَعْدٍ ، وَاسْمُهَا زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، رَوَى عَنْهَا : ابْنَا أَخَوَيْهَا سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ابْنَا كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ . ذَكَرَهَا ابْنُ حِبَّانَ فِى « كِتَابِ الثِّقَاتِ » . وَهِيَ زَوْجَةُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، ذَكَرَهَا ابْنُ الأَثِيْرِ ، وَابْنُ فَتْحُونَ فِى الصَّحَابَةِ . وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : « مَجْهُولَةٌ » كَمَا فِى « الْمِيزَانِ » لِلذَّهَبِىِّ ، وَأَقَرَّهُ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ الْحَاكِمَ عَلَى تَصْحِيحِهِ » اهـ .
وَأَقُولُ : فَالأَلْبَانِيُّ هَاهُنَا يَعْتَمِدُ تَصْحِيحَ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ ، عَلَى أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ لَمْ يُوَثِّقْهَا إِلاَّ ابْنُ حِبَّانَ وَحْدَهُ ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ « تَقْرِيبُ التَّهْذِيبِ »(1/746/8570) عَنْهَا : « مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ » ! .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّمَا وَثَّقَهَا لِكَوْنِهَا صَحَابِيَّةً ، لِذِكْرِ ابْنِ الأَثِيْرِ ، وَابْنِ فَتْحُونَ إِيَّاهَا فِى الصَّحَابَةِ ، وَشُهْرَةِ الصَّحَابِيَّاتِ وَاسْتِفَاضَةِ الثِّقَةِ بِهِنَّ قَاضِيَةٌ بِرَفْعِ الْجَهَالَةِ وَإِثْبَاتِ تَوْثِيقِهِنَّ ، فَلا يُحْتَاجُ عِنْدَئِذٍ إِلَى تَوْثِيقِ ابْنِ حِبَّانَ ، أَوْ غَيْرِهِ .
فَأَقُولُ : فَلِمَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ : قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : « مَجْهُولَةٌ » كَمَا فِى « الْمِيزَانِ » لِلذَّهَبِىِّ ، وَأَقَرَّهُ ؟ .
وَأُجِيبُ : ذَلِكَ لِقُوَّةِ الْخِلافِ فِى إِثْبَاتِ الصُّحْبَةِ لَهَا ، فَالأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا تَابِعِيَّةٌ . وَالْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ نَفْسَهُ الَّذِي اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الأَلْبَانِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنِ ابْنِ الأَثِيْرِ ، وَابْنِ فَتْحُونَ مِنَ الْقَوْلِ بِصُحْبَتِهَا فِى « تَهْذِيبِهِ »(12/451) ، قَالَ فِى « تَقْرِيبهِ »(2/600) : « مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ ، وَيُقَالُ : لَهَا صُحْبَةٌ » .
فَقَوْلُهُ « مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ » يَعْنِي جَزْمَهُ بِتَابِعِيَّتِهَا ، إِذْ لا يَقُولُ فِى صَحَابِيَّةٍ « مَقْبُولَة » ، فَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عِنْدَهُ فِى الطَّبَقَةِ الأُولَى ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَهِيَ طَبَقَةُ كِبَارِ التَّابِعِينَ ، كَابْنِ الْمُسَيَّبِ ، وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، وَأَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، وَأَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ مِنَ الرِّجَالِ ، وَكَخَيْرَةَ أُمِّ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَأُمِّ بِلالِ بِنْتِ هِلالٍ مِنَ النِّسَاءِ .
وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيُّ « تَهْذِيبُ الأَسْمَاءِ »(2/613) : « زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ . مَذْكُورَةٌ فِى بَابِ الْمُعْتَدِّةِ مِنَ « الْمُهَذَّبِ » . وَهِيَ تَابِعِيَّةٌ ، تَرْوِي عَنِ الْفُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ . يَرْوِي عَنْهَا : ابْنُ أَخِيهَا سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ » .
كَمَا أَشَارَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ إِلَى تَابِعِيَّتِهَا فِى « الْكَاشِفِ »(2/508) بِقَوْلِهِ : « وُثِّقَتْ » ، فَلَوْ كَانَتْ صَحَابِيَّةً مَا قَالَهَا . وَلِهَذَا لَمَّا نَقَلَ قَوْلَ ابْنِ حِزْمٍ « مَجْهُولَةٌ » فِى « الْمِيزَانِ » لَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِنَفْي الْجَهَالَةِ عَنْهَا .
وَالْخُلاصَةُ : فَزَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ تَابِعِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ الْحُفَّاظُ تَصْحِيحَ حَدِيثِهَا لِتَوْثِيقِ ابْنِ حِبَّانَ إِيَّاهَا ، وَلِهَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ تَوْثِيقَهُ فِى مَعْرِضِ الاحْتِجَاجِ لِقَبُولِ حَدِيثِهَا دَفْعَاً لِتَجْهِيلِ ابْنِ حَزْمٍ إِيَّاهَا ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِقَبُولِ تَوْثِيقِهِ تَمَسُّكَاً بِقَاعَدِتِهِ : « ابْنُ حِبَّانَ مُتَسَاهِلٌ فِى تَوْثِيقِ الْمَجَاهِيلِ » ! .
وَأَمَّا جَعْلُ الأَلْبَانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قَوْلَ الْحَافِظِ عَنْ حُكَيْمَةَ « مَقْبُولَةٌ » دَالَّةً عَلَى تَضْعِيفِ الْحَافِظِ لَهَا إِذْ لَمْ تُتَابَعْ ، فَهُوَ خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِدِلالَةِ هَذَا الْمُصْطَلَحِ لَدَى الْحَافِظِ ! .
وَقَدْ بَيَّنْتُهُ بَيَانَاً شَافِيَاً فِى كِتَابِي « الْمَنْهَجُ الْمَأْمُولِ بِبَيَانِ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ مَقْبُولُ » .
فَقُلْتُ مُفْتَتِحَاً : اعْلَمُ عَنْ يَقِينٍ وَاسْتِقْرَاءٍ تَامٍّ لِتَحْقِيقَاتِ الْكَثِيرِينَ مِنْ رُفَعَاءِ وَقْتِنَا : أَنَّهُ اسْتَقَرَّ فِي أَذْهَانِ الْكَثِيرِينَ مِنْهُمْ مَا أَوْدَعُوهُ مُصَنَّفَاتِهِمْ ، وَتَابَعَهُمْ عَلَيْه أَكْثَرُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ : أَنَّ حَدِيثَ الْمَقْبُولِ ضَعِيفٌ إِذَا تَفَرَّدَ وَلَمْ يُتَابَعْ ، كَذَا زَعَمُوا ، وَذَلِكَ لِتَقْرِيرَاتٍ أَخْطَأَ وَاضِعُوهَا فِي فَهْمِ مُرَادِ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ مِنْ مُصْطَلَحِهِ ذَا .
وَلَمْ أَزَلْ أَقُولُ : إِنَّ الْحَافِظَ ابْنَ حَجَرٍ هُوَ أَعْرَفُ النَّاسِ قَاطِبَةً بِمُرَادِهِ وَمَقْصُودِهِ . فَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَعْنَى هَذَا الْمُصْطَلَحِ ، فَلْيَأْخُذُهُ مِنْ كِلامِ الْحَافِظِ نَفْسَهُ وَتَقْرِيرَاتِهِ وَتَطْبِيقَاتِهِ ، لا مِمَّنْ حَمَلَ مُصْطَلَحَهُ عَلَى غَيْرِ مُرَادِهِ وَمَقْصُودِهِ .
وَلِنَقْتَصِرْ هَاهُنَا عَلَى مِثَالَيْنِ فَقَطْ مِنْ تَطْبِيقَاتِ الْحَافِظِ لِهَذَا الْمُصْطَلَحِ :
[ الأَوَّلُ ] فِي ثَنَايَا شَرْحِهِ لِحَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ « كِتَابُ الصَّوْمِ »(1986) قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَهِيَ صَائِمَةٌ ، فَقَالَ : « أَصُمْتِ أَمْسِ ؟ » ، قَالَتْ : لا ، قَالَ : « تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدَاً » ، قَالَتْ : لا ، قَالَ : « فَأَفْطِرِي » .
قَالَ الْحَافِظُ « فَتْحُ الْبَارِي »(4/234) : « وَلَيْسَ لِجُوَيْرِيَةَ زَوْج النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَتهَا سِوَى هَذَا الْحَدِيث ، وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمِّيَّة عِنْد النَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِمَعْنَى حَدِيث جُوَيْرِيَةَ » .
قُلْتُ : يَعْنِي مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ « الْكُبْرَى »(2/145/2773) قَالَ : أَنْبَأَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَذَكَرَ آخَرَ قَبْلَهُ يَعْنِي ابْنَ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنِ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ حُذَيْفَةَ الْبَارِقِيِّ عَنْ جُنَادَةَ الأَزْدِيِّ : أنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ وَهُوَ ثَامِنُهُمْ ، فَقَرَّبَ إِلَيْهِمْ رسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامَاً يَوْمَ جُمُعَةٍ ، فَقَالَ : كُلُوا ، قَالُوا : صِيَامٌ ، قَالَ : « صُمْتُمْ أَمْسِ » ، قَالُوا : لا ، قَالَ : « فَصَائِمُونَ غَدَاً » ، قَالُوا : لا ، قَالَ : « فَأَفْطِرُوا » .
قُلْتُ : هَكَذَا صَحَّحَهُ الْحَافِظُ ، وَفِي إِسْنَادِهِ حُذَيْفَةُ الْبَارِقِيُّ ، وَقَدْ تَفَرَّدَ عَنْ جُنَادَةَ الأَزْدِيِّ وَلَمْ يُتَابَعْ .
مَعَ قَوْلِهِ عَنْهُ فِي « التَّقْرِيبِ »(1/154) : « مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ » .
قُلْتُ : فَقَدْ صَحَّحَ الْحَافِظُ حَدِيثَ الْمَقْبُولِ ، مَعَ التَّفَرُّدِ وَعَدَمِ الْمُتَابِعِ .
[ الثَّانِي ] قَالَ الْحَافِظُ فِي « تَغْلِيقِ التَّعْلِيقِ »(3/319) : « قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ (4/388) ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا وَبْرُ بْنُ أَبِي دُلَيْلَةَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مُسَيْكَةَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرَاً عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ » . قَالَ وَكِيعٌ : عِرْضُهُ شِكَايَتُهُ ، وَعُقُوبَتُهُ حَبْسُهُ .
وَرَوَاهُ أبُو دَاوُدَ (3628) ، وَالنَّسَائِيُّ (7/316) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ وَبْرِ بْنِ أَبِي دُلَيْلَةَ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ (7/316) ، وَابْنُ مَاجَهْ (2427) مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ .
ثُمَّ قال الْحَافِظُ : « وَهَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ » .
مَعَ قَوْلِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مُسَيْكَةَ الطَّائِفِيِّ فِي « التَّقْرِيبِ »(1/490) : « مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ » .
وَفِي « فَتْحِ الْبَارِي »(5/62) شَرْحَاً لقَوْلَ أبِي عَبْدِ اللهِ الْبُخَارِيُّ : وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « لَيُّ الْوَاجِد يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ » .
قَالَ الْحَافِظُ : « الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرو بْن الشَّرِيدِ بْن أَوْس الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « لَيُّ الْوَاجِد ... » الْحَدِيثَ . وَإِسْنَاده حَسَنٌ ، وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ : أَنَّهُ لا يُرْوَى إِلا بِهَذَا الإِسْنَادِ » .
قُلْتُ : هَكَذَا حَسَّنَهُ الْحَافِظُ ، وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مُسَيْكَةَ الطَّائِفِيُّ ، وَقَدْ تَفَرَّدَ وَلَمْ يُتَابَعْ ، مَعَ قَوْلِهِ عَنْهُ فِي « التَّقْرِيبِ » : « مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ » .
وَفِي الْمِثَالَيْنِ مَعَاً : بَيَانٌ شَافٍ كَافٍ أَنَّ حَدِيثَ الْمَقْبُولِ عِنْدَ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ دَائِرٌ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ ، لا يَتَجَاوَزُهُمَا إِلاَّ فِي أَفْرَادٍ مَعْدُودَةٍ ، ذَكَرْتُ دَوَافَعَهَا فِي « الْمَنْهَجِ الْمَأْمُولِ » .
وَأَرْفَعُ الْمَقْبُولِينَ وَأَوْثَقُهُمْ عِنْدَ الْحَافِظِ مَنْ خَرَّجَ الشَّيْخَانِ لَهُمْ فِي « الصَّحِيحَيْنِ » ، فَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي مَرْتَبَةِ « مَقْبُولِ » جَمَاعَةً مِنَ الثِّقَاتِ الَّذِينَ احْتَجَّ بِهِمُ الشَّيْخَانِ : الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ . وَتَمَامُ هَذَا النَّمَطِ فِى « تَقْرِيبِهِ » : أَرْبَعٌ وَمِائَةُ (104) رَاوِيَاً .